كشف تحقيق الزملاء في عدد عكاظ الأسبوعي عن تفاقم مشكلة هروب الفتيات والفتيان، والمشكلة الأكبر عطفا على تركيبة المجتمع وثقافته هي هروب الفتيات، والمشكلة الأكبر ليس في الهروب فحسب بل حتى من تفكر في العودة إلى دائرة الصواب تجد أنها أحرقت نفسها إجتماعيا وكل ما عليها هي أن تختار غرفة في منزل أهلها حتى نهاية العمر.
لماذا تهرب الفتاة؟ ما الذي يدفعها إلى ترك أكثر مكان يشعرها بالأمان في حياتها؟، هل الفتاة لا تحلم ببيت وتكوين أسرة؟، شخصيا وقفت على أكثر من حالة خلال مشواري الصحافي المتواضع تحرجت كثيرا في نشرها كي لا تكون مصدرا لقطع نصيبها مستقبلا.
والمفترض أن نفتش في حياتنا قبل أن تقع الفأس في الرأس أتمنى أن نبحث كيف نعامل بناتنا وأخواتنا، إنتهت أزمنة القمع والقهر وإعتبار البنت مصدر خجل ومذلة وفضيحة قابلة للانفجار في أي وقت.
حكت فتاة في قصة تراجعت عن نشرها منتصف عام 2004 عن تعامل أشقائها معها بأنها حتى وإن مرضت لا يذهبون بها إلى المستشفى خوفا من أن يشاهدها أحد أصدقائهم، وتؤكد أنها حتى وإن ذهبت إلى المدرسة تكون في المقعد الخلفي وعليها أن تطأطئ رأسها كي لا يراها الجيران جيدا على الرغم من أن السواد يغيطها مضاعفا.
قصة أخرى في جدة لفتاة لا يعرف أهلها حقيقة جنسها، إختاروا لها غرفة في البيت لتكون قبرا مؤثثا حتى تموت، دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة الكشف الطبي وتصحيح الجنس أو أي جراحة تساعدها على إستمرار حياتها.
وأخيرا شابتان من قرية جنوبي مكة المكرمة هربتا إلى جدة منذ 15 عاما، وحكم عليهما المجتمع بالسجن مدى الحياة في بيت والدهما حيث تقيمان تحت حراسة مشددة من أشقائهما.
إن ما نحتاج إليه هو فهم أبنائنا وبناتنا وإحتضانهم جيدا وفهم مشكلاتهم وحاجتهم في ظل التطور المجتمعي والتقني والإعلامي المؤثر، اجعلوهم يشعروا بالأمان أكثر ويحبوكم أكثر لا تقمعوهم أعطوهم مساحة من التعبير، اقطفوا من أوقاتكم للجلوس معهم للنقاش والضحك واللعب وقضاء الأوقات السعيدة التي تشعرنا بالرضى في دواخلنا.
ثم أعتقد أن على مؤسسات الدولة والمجتمع المدني البحث عن حلول حقيقية للهاربات وإعادة دمجهن في المجتمع وتقديم الدعم للأسر التي تعرضت لهروب من قبل بناتها وإرشادها جيدا وحسب قدرات فهمها خصوصا الأسر محدودة التعليم.. لنكن مجتمعا مسلما مسالما متصالحا يشعر ببعضه البعض.. فإذا كان من خلق الأرض ومن عليها يتسامح ويغفر الذنوب الكبيرة فكيف بالإنسان الضعيف لا يغفر ويتسامح.
بقلم: هادي الفقيه.
المصدر: مركز واعي للإستشارات الإجتماعية.